البلهارسيا – مرض طفيلي يسببه ديدان البلهارسيا التي تعيش في الأوعية الدموية. يتميز المرض بحدوث تفاعلات سمية وحساسية ويؤثر على الجهاز الهضمي أو الجهاز البولي التناسلي. المرحلة الحادة للبلهارسيا تتسم بالحمى وظهور طفح جلدي حطاطي وحكة. في المرحلة المزمنة، قد يتطور التهاب المثانة، التهاب الحويضة والكلية، الاستسقاء، التهاب المهبل، التهاب البروستاتا، التهاب البربخ، أو التهاب القولون، تضخم الكبد والطحال، أو الاستسقاء. يتم تشخيص البلهارسيا من خلال اكتشاف بيض الطفيليات في عينات البول أو البراز، أو من خلال إجراء تنظير المثانة أو تصوير الجهاز البولي. تستخدم أدوية مضادة للطفيليات في علاج البلهارسيا، وفي بعض الحالات قد يتطلب الأمر إجراء جراحة.
معلومات عامة
البلهارسيا (داء المنشقات) هو نوع من الديدان الطفيلية تسببه ديدان من جنس Schistosoma، ويشمل عدة أنواع مثل البلهارسيا البولية، البلهارسيا المعوية، والبلهارسيا اليابانية. ينتشر هذا المرض الطفيلي بشكل واسع في دول آسيا، إفريقيا، وأمريكا اللاتينية. وفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، يعاني 300 مليون شخص من البلهارسيا، ويتسبب هذا المرض ومضاعفاته في وفاة 500 ألف شخص سنويًا في البلدان الموبوءة. يصاب الرجال بالبلهارسيا بمعدل خمسة أضعاف أكثر من النساء. يؤدي الشكل المزمن من البلهارسيا إلى إعاقة السكان القادرين على العمل، ويتسبب في فقر الدم وتأخر النمو الجسدي والعقلي لدى الأطفال. نظرًا لخصوصية هذا المرض، فإن دراسته تتعلق بالإضافة إلى الأمراض المعدية بمجالي المسالك البولية وأمراض الجهاز الهضمي.
أسباب البلهارسيا:
تسبب البلهارسيا ديدان طفيلية من جنس Schistosoma، التي تنتمي إلى فئة المثقوبات (Trematoda). تعتبر هذه الديدان مسطحة ومنفصلة الجنس، حيث يتراوح طولها بين 4 إلى 20 ملم وعرضها حوالي 0.25 ملم. تحتوي أجسام الديدان على مصتين – فموية وبطنية – تقعان بالقرب من بعضهما البعض. تكون الإناث أطول وأرفع من الذكور، ويتميز الذكر بوجود قناة طولية (القناة النسائية) يستخدمها للإمساك بالأنثى. تبلغ أبعاد بيض البلهارسيا حوالي 0.1 ملم، وهي بيضات بيضاوية الشكل تحتوي على شوكة كبيرة في أحد طرفيها.
هناك عدة أنواع من البلهارسيا التي يمكن أن تطفل في جسم الإنسان، ومنها:
- S. haematobium (مسبب البلهارسيا البولية)
- S. mansoni (مسبب البلهارسيا المعوية)
- S. japonicum (مسبب البلهارسيا اليابانية) وغيرها.
يعد الإنسان وبعض الثدييات المضيف النهائي للديدان البالغة والخزان الرئيسي للعدوى. تعيش هذه الديدان في الأوردة الصغيرة للأمعاء الغليظة، تجويف البطن، الحوض الصغير، الرحم، والمثانة البولية، وتتغذى على الدم وتمتص بعض العناصر الغذائية من خلال جدارها. تهاجر البيوض التي تضعها البلهارسيا إلى المثانة أو الأمعاء حيث تنضج وتطرح خارج الجسم مع البول أو البراز. عند وصول البيوض إلى المياه العذبة، تخرج منها يرقات تسمى “الميراسيديم”، التي تحتاج إلى مضيف وسيط، وهو القواقع المائية العذبة، لتكمل دورة حياتها.
تدخل اليرقات المعدية المياه مرة أخرى وتستطيع اختراق جسم الإنسان عبر الجلد السليم أو الأغشية المخاطية. قد يحدث العدوى بالبلهارسيا خلال السباحة، سحب المياه، غسل الملابس، ري الأراضي، أو خلال الممارسات الدينية وغيرها. بمجرد اختراق اليرقات للجلد، تدخل إلى الشعيرات الدموية وتصل إلى الأوعية الدموية في الرئتين والقلب. في غضون خمسة أيام، تصل اليرقات إلى الأوردة البابية وفروعها في الكبد، وبعد ثلاثة أسابيع تستقر بشكل نهائي في الأوردة المساريقية والأوردة المحيطة بالمثانة.
تتحول اليرقات بعد 2.5 إلى 3 أشهر إلى ديدان بالغة وتبدأ في وضع البيض. يتميز نشاط البلهارسيا بقدرة البيض على اختراق جدران الأوعية الدموية والخروج إلى الأنسجة المحيطة أو التجويف الداخلي للأعضاء (مثل الأمعاء والمثانة) ومن ثم طرحه إلى البيئة الخارجية.
خلال مرحلة هجرة اليرقات، ترتبط أعراض البلهارسيا بتدمير الأوعية الدموية الصغيرة وحدوث نزيف. تؤدي تراكم البيوض في طبقات المثانة والجدار العضلي للإحليل إلى التهابات خاصة تعرف بحبيبات البلهارسيا وتقرحات، مما يؤدي إلى تليف وتجعد المثانة وتكلس البيوض. يمكن أن يؤدي وجود التقرحات لفترات طويلة إلى تطور سرطان المثانة. يصاحب البلهارسيا المعوية التهاب القولون الناتج عن البلهارسيا، والذي قد يؤدي إلى تصلب جدار الأمعاء، كما يمكن أن يؤدي إلى التهاب الزائدة الدودية الناتج عن البلهارسيا.
أعراض البلهارسيا:
يمر البلهارسيا البولية بعدة مراحل: مرحلة حادة، مرحلة مزمنة، ومرحلة النتائج النهائية.
- المرحلة الحادة: تتزامن هذه المرحلة مع هجرة اليرقات عبر مجرى الدم. يعاني المرضى في هذه المرحلة من ردود فعل تحسسية مثل الشرى وتورم موضعي في الجلد. قد تظهر أعراض أخرى مثل السعال، نفث الدم (وجود دم في البلغم)، تضخم الكبد والطحال، وتضخم الغدد الليمفاوية. تشمل الأعراض العامة التسممية: الحمى، القشعريرة، التعرق، ألم في العضلات والمفاصل، والصداع.
- المرحلة المزمنة: تبدأ بعد عدة أشهر من العدوى وتتنوع شدتها بين خفيفة، متوسطة، وشديدة. في الحالة الخفيفة، يشعر المرضى بالتحسن مع الحفاظ على القدرة على العمل، وتكون اضطرابات التبول طفيفة. الحالة المتوسطة تظهر بشكل واضح مع اضطرابات في التبول ووجود دم في نهاية التبول (وأحياناً طوال التبول)، بالإضافة إلى تضخم الكبد والطحال وتطور فقر الدم. في الحالة الشديدة، يعاني المرضى من تكرار التهاب المثانة والتهاب الحويضة والكلية، وتكوين حصى في الحالب والمثانة. كما قد تتطور لدى النساء التهابات مهبلية ونزيف مهبلي، ولدى الرجال التهاب البربخ والتهاب البروستاتا. من المضاعفات المتأخرة للبلهارسيا العقم، تضيقات الحالب، الاستسقاء الكلوي، تليف الكبد، والفشل الكلوي المزمن. يمكن أن تؤدي الأشكال الشديدة من العدوى إلى فقدان القدرة على العمل وفي بعض الحالات إلى الوفاة.
- البلهارسيا المعوية: في مرحلتها المبكرة، تشبه أعراض البلهارسيا البولية (الحمى، الشعور بالتعب، آلام المفاصل والعضلات، إلخ). تشمل الأعراض سوء الشهية، آلام في البطن التي قد تكون متقطعة أو مستمرة، تشنجات معوية، إسهال مصحوب بالدم متناوب مع الإمساك. في المرحلة المتأخرة، تتضخم الكبد، تظهر ارتفاع ضغط الدم البابي، الاستسقاء، نزيف الجهاز الهضمي، ارتفاع ضغط الدم الرئوي، وتضخم القلب الرئوي. أعراض البلهارسيا اليابانية مشابهة للبلهارسيا المعوية (الحساسية، التهاب القولون، التهاب الكبد، تليف الكبد)، لكن تكون الأعراض أكثر حدة.
تشخيص البلهارسيا:
يعتمد تشخيص البلهارسيا على جمع التاريخ الوبائي، تحليل الأعراض السريرية، وإجراء الفحوصات المخبرية والأدوات التشخيصية. بالإضافة إلى اختصاصي الأمراض المعدية، قد يشارك في تشخيص البلهارسيا كل من أطباء المسالك البولية وأخصائيي أمراض الجهاز الهضمي. يجب أن يثير انتباه الأطباء وجود تاريخ للسفر إلى مناطق موبوءة، خاصة إذا كانت الأعراض تشمل التسمم والحساسية مصحوبة باضطرابات في التبول أو نزول دم في البول أو التهاب القولون.
يعتبر اكتشاف بويضات البلهارسيا في عينات البول أو البراز هو العامل الحاسم في التشخيص. من بين الطرق القياسية للكشف عن البلهارسيا البولية، يتم استخدام طرق الترسيب، الطرد المركزي، أو ترشيح البول؛ أما بالنسبة للبلهارسيا المعوية، فيتم استخدام طرق مثل طريقة كاتو، ريتشي، وطرق الترسيب الأخرى.
في تحليل البول العام، قد تظهر علامات مثل وجود الدم في البول (بيلة دموية)، البروتين في البول (بروتينية)، ووجود كريات الدم البيضاء في البول (بيلة بيضاء). كما أن إجراء تنظير المثانة يعتبر مفيدًا للكشف عن حبيبات البلهارسيا، التقرحات، الزوائد اللحمية، تجمعات البيض، وإمكانية أخذ خزعة من المناطق المتضررة في المثانة. تساعد الصور الشعاعية العامة والإفرازية في الكشف عن مناطق التكلس في جدار المثانة أو الحالب، حصى الكلى، تضيقات الحالب، وتحول الكلى إلى الاستسقاء.
في حالات البلهارسيا المعوية، قد يتم اللجوء إلى التنظير البطني وأخذ خزعة من الكبد. للتشخيص الأولي، يمكن استخدام الاختبارات المناعية مثل تفاعل تثبيت المكمل، تفاعل التراص الدموي غير المباشر، والاختبار المناعي الإنزيمي (ELISA). في الفحوصات الجماعية في المناطق الموبوءة، تجرى اختبارات جلدية للحساسية باستخدام مستضدات البلهارسيا.
يتطلب التفريق بين البلهارسيا البولية وحالات أخرى مثل حصوات المسالك البولية، والسل البولي؛ أما البلهارسيا المعوية فيجب تمييزها عن الأميبا، التيفوئيد، الزحار، وسرطان القولون.
علاج البلهارسيا والوقاية منها:
- العلاج الدوائي: يعتبر العلاج الدوائي فعالًا في المراحل المبكرة من البلهارسيا وعند عدم وجود مضاعفات. من الأدوية المضادة للطفيليات المستخدمة: برازيكوانتيل، تينيدازول، وميتريفونات. يتم تقييم نجاح العلاج من خلال إجراء فحوصات متكررة للكشف عن الديدان واختبارات مناعية.
- التدخل الجراحي: قد يكون ضروريًا في حالات البلهارسيا البولية المعقدة، مثل عمليات معالجة تضيق الحالب أو إزالة الحصى من المثانة والكلى.
- التوقعات: إذا تم تشخيص الحالة ومعالجتها في الوقت المناسب، فإن التوقعات تكون جيدة. أما إذا استمر المرض لفترة طويلة دون علاج، فقد يؤدي إلى إعاقة أو وفاة بسبب المضاعفات.
- الوقاية: تشمل الوقاية معالجة مصادر المياه للقضاء على القواقع، تعزيز الوعي الصحي، والكشف المبكر عن المصابين وعلاجهم. ينصح السكان في المناطق الموبوءة بغلي أو تصفية المياه قبل استخدامها وارتداء ملابس واقية عند التعامل مع المياه.