رائحة الفم الكريهة (Halitosis)

رائحة الفم الكريهة (Halitosis) تظهر لدى الأشخاص الأصحاء بعد النوم الليلي، عند التدخين، أو تناول الأطعمة ذات الروائح القوية. الأسباب المرضية الرئيسية تشمل أمراض الأسنان والفم، أمراض الجهاز الهضمي، والالتهابات المزمنة في أعضاء الأنف والأذن والحنجرة. لتحديد العوامل المسببة لرائحة الفم الكريهة، يوصى بإجراء فحص لدى طبيب الأسنان واختصاصي الأنف والأذن والحنجرة. تشمل الطرق التشخيصية التنظير الداخلي، التصوير بالأشعة، والفحوصات المخبرية. يتطلب علاج رائحة الفم الكريهة العناية الجيدة بنظافة الفم واستخدام الطرق العلاجية التحفظية والجراحية للقضاء على الأمراض الأساسية.

أسباب رائحة الفم الكريهة:

العوامل الفسيولوجية
تظهر رائحة الفم الكريهة في الصباح لدى معظم الأشخاص، وذلك نتيجة انخفاض إنتاج اللعاب واضطراب آلية التنظيف الذاتي للفم. في بعض الأحيان، قد يصاحب هذا العرض طعم غير مريح في الفم وظهور طبقة على اللسان. بالنسبة لكبار السن، قد تستمر رائحة الفم الكريهة طوال اليوم حتى مع مراعاة النظافة، وذلك بسبب انخفاض إفراز اللعاب وزيادة عدد الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض نتيجة الأمراض المزمنة في الجهاز الهضمي.

تنتج رائحة الفم الكريهة عن تكاثر الكائنات الحية الدقيقة وتجمعها على اللسان واللثة. لذلك، يعاني الأشخاص الذين لا ينظفون أسنانهم بانتظام من رائحة فم مستمرة. كما يرتبط هذا العرض بنمط التغذية والعادات الضارة. بالنسبة للمدخنين لفترات طويلة، قد يكون من الصعب التخلص من الرائحة الكريهة حتى باستخدام معجون الأسنان المنعش أو العلكة. قد تظهر رائحة الفم الكريهة بشكل مؤقت عند الإفراط في تناول الثوم والبصل أو الأطعمة ذات التوابل الكثيرة.

العوامل النفسية والعاطفية
هناك مفهوم يُعرف بـ “رهاب رائحة الفم”، حيث يكون الشخص مفرطًا في القلق بشأن رائحة فمه، رغم أن رائحة فمه تكون طبيعية تمامًا ولا يوجد أي سبب فعلي للقلق. هذا النوع من القلق يمكن أن يظهر لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثل القلق والتوتر العصبي. أحيانًا، يكون رهاب رائحة الفم علامة على اضطراب نفسي.

أمراض الفم
تشكل أمراض الأسنان ما نسبته 80-90% من الأسباب المرضية لرائحة الفم الكريهة. تكون هذه الرائحة أول علامة على تسوس الأسنان، تراكم الجير، أو التهاب دواعم الأسنان. يمكن أن يكون هذا العرض موجودًا أيضًا في حالات التهاب الغدد اللعابية الحاد والمزمن. يشعر الشخص برائحة الفم الكريهة بشكل دائم، وقد تساعد وسائل النظافة مثل الغرغرة في التخفيف من الرائحة لفترة قصيرة، لكنها لا تقضي على المشكلة بالكامل.

بالإضافة إلى ذلك، يلاحظ زيادة في حساسية الأسنان تجاه الطعام البارد والساخن. في كثير من الأحيان، يشعر الشخص بألم حاد في الأسنان. في الحالات المزمنة، يكون رائحة الفم الكريهة هو العرض الرئيسي، بينما يكون الألم ضعيفًا. ومن الأسباب الشائعة الأخرى التهاب الفم بمختلف أنواعه، حيث يعاني المرضى من رائحة الفم الكريهة بالإضافة إلى الشعور بالحرقان والألم الذي يتفاقم أثناء تناول الطعام.

أمراض الجهاز الهضمي

تعد مشكلات الجهاز الهضمي السبب الثاني الأكثر شيوعاً لرائحة الفم الكريهة. يرتبط ظهور هذا العرض بشكل رئيسي بسوء هضم الطعام، مما يؤدي إلى تخمر وتعفن المواد الكيميائية المعقدة، حيث تنبعث منها روائح كريهة. تشمل الحالات الأكثر شيوعًا التي تحفز رائحة الفم الكريهة:

  • التهاب المعدة: الالتهاب المزمن للمعدة، خصوصًا في حالات انخفاض حموضة المعدة، يسبب رائحة فم كريهة تشبه الرائحة المتعفنة، بسبب ضعف هضم الطعام نتيجة نقص حمض الهيدروكلوريك. أما في حالة التهاب المعدة الحمضي أو القرحة المعدية، فتكون الرائحة حمضية.
  • اعتلال الأمعاء: يظهر العرض عند نقص بعض الإنزيمات (مثل نقص إنزيم اللاكتاز). تحدث رائحة الفم الكريهة فقط عند اتباع نظام غذائي غير مناسب. وتعتبر رائحة الفم الكريهة شائعة بين مرضى الداء البطني (السيلياك).
  • أمراض الجهاز الصفراوي: يترافق التهاب المرارة المزمن واضطرابات حركة القنوات الصفراوية مع التجشؤ المر الذي يسبب رائحة الفم الكريهة. وتشمل الأعراض الأخرى وجود طبقة كثيفة صفراء أو رمادية على اللسان.
  • التهاب البنكرياس المزمن: يتمثل بنقص إفراز الإنزيمات من البنكرياس، مما يؤدي إلى تراكم الطعام المهضوم جزئياً في الأمعاء الدقيقة، مما يسبب رائحة الفم الكريهة التي تكون مصحوبة بأعراض أخرى مثل الإسهال الدهني وظهور الكريات العضلية غير المهضومة في البراز.
  • الأورام: الرائحة الكريهة الفجة عند التنفس تعد علامة مهمة على وجود أورام في الجهاز الهضمي، خاصة في حالات سرطان المعدة والمريء التي وصلت لمرحلة متقدمة. كما قد تحدث رائحة الفم الكريهة في حالات الأورام الحميدة التي تعيق مرور الطعام عبر القناة الهضمية.

أمراض الجهاز التنفسي المزمنة

تحدث رائحة الفم الكريهة بسبب التكاثر المفرط للبكتيريا أو الفطريات الممرضة، مما يؤدي إلى التهاب مزمن وتكون صديد، الذي يكون سببًا رئيسيًا لرائحة الفم الكريهة. وعادةً ما يظهر هذا العرض في حالات التهاب الأنف الضموري والتضخمي، والتهاب الجيوب الأنفية. كما يعد هذا العرض علامة على التهاب الحلق (التهاب اللوزتين). الرائحة الكريهة التي يمكن سماعها عن بعد تكون مميزة لخراج الرئة ومرض توسع القصبات.

داء السكري
يزداد لدى مرضى السكري خطر الإصابة بالالتهابات الجلدية والأغشية المخاطية، وبالتالي تكون رائحة الفم الكريهة غالباً نتيجة الإصابة بالتهاب الفم. في حالة حدوث غيبوبة السكري المصاحبة للكيتوزية، يكون النفس برائحة الأسيتون. يصاحب هذا العرض ضعف شديد ونعاس، وجفاف الأغشية المخاطية. كما يمكن أن تظهر آلام شديدة في الرأس والبطن، وفي المراحل المتأخرة قد يتأثر الوعي.

الحالات الطارئة
في حالة الفشل الكبدي الحاد، تظهر رائحة فم حلوة وغير مستساغة، ناتجة عن ضعف وظيفة الكبد في التخلص من السموم وتراكمها في الدم. أما في الفشل الكلوي، فإن رائحة الفم تكون برائحة الأسيتون (تشبه رائحة التفاح المتعفن). في المرحلة النهائية من التهاب الصفاق، يصبح تنفس المريض ذا رائحة كريهة تشبه “رائحة البراز”.

مضاعفات العلاج الدوائي

يمكن أن تتسبب بعض الأدوية في رائحة الفم الكريهة بسبب تقليل إفراز اللعاب، مما يؤدي إلى ضعف التنظيف الذاتي للفم، وتراكم جزيئات الطعام، وزيادة نمو الكائنات الحية الدقيقة الممرضة. تظهر جفاف الفم ورائحة الفم الكريهة غالباً بعد البدء في تناول الدواء مباشرة أو بعد زيادة الجرعة. تشمل الأدوية المسببة:

  • الأدوية التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي: مثل مضادات الاكتئاب، مضادات الذهان، مزيلات القلق.
  • مضادات الكولين: مثل الأدوية المضادة للقيء، مضادات الهيستامين، مضادات التشنج.
  • المواد الأفيونية: مثل الميثادون والهيدرمورفون.
  • الأدوية الخافضة لضغط الدم: مثل حاصرات بيتا، حاصرات قنوات الكالسيوم، ومدرات البول.

التشخيص
غالبًا ما يتوجه المرضى الذين يعانون من رائحة الفم الكريهة إلى طبيب الأسنان أو أخصائي أمراض الجهاز الهضمي. يقوم الطبيب بإجراء الفحوصات اللازمة وفقًا لتخصصه، وقد يوصي باستشارة متخصصين آخرين إذا لزم الأمر. يكفي الفحص البصري للفم لاكتشاف العديد من أمراض الأسنان. تشمل الطرق التشخيصية المستخدمة في حالات رائحة الفم الكريهة ما يلي:

  • فحص الأنف والأذن والحنجرة: يتم إجراء فحوصات قياسية مثل التنظير الأمامي والخلفي للأنف، فحص الحلق، والتنظير غير المباشر للحنجرة. أثناء الفحص، يأخذ الطبيب مسحة من الحلق والأنف لتحليلها. إذا كانت هناك تغييرات في اللوزتين، يجب إجراء زراعة بكتيرية للترسبات.
  • الأشعة السينية: يُوصى بإجراء صورة شعاعية للفك العلوي والسفلي (أورثوبانتوموغرام) لتقييم مدى انتشار أمراض الأسنان. يتم استخدام الأشعة السينية للجهاز الهضمي مع التباين لتشخيص القرحة، والرتوج، والأورام. كما يُعد تصوير الجيوب الأنفية بالأشعة السينية مفيدًا في تأكيد تشخيص التهاب الجيوب الأنفية.
  • الطرق التنظيرية: يتم استخدام التنظير الهضمي العلوي (إف. جي. دي. إس) عند الاشتباه في التهاب المعدة المزمن. أثناء الفحص، يتم تحديد احتقان الغشاء المخاطي للمعدة، وجود التآكلات، واضطراب في توتر المصرة القلبية والبوابية. كما أن التنظير القصبي ضروري لتأكيد مرض توسع القصبات.
  • الفحوصات المخبرية: يتم تعيين تحليل الدم للكشف السريع عن علامات الالتهاب. في التحليل الكيميائي الحيوي للدم، يمكن اكتشاف اضطرابات في تركيبة البروتين، وارتفاع مستويات الكرياتينين واليوريا، ومتلازمة التحلل الخلوي. في تحليل البراز (كوبروغرام)، يتم التركيز على كمية الدهون المحايدة والألياف العضلية غير المهضومة.

العلاج

المساعدة قبل التشخيص
يلعب نمط الحياة والتغذية ومهارات النظافة دورًا كبيرًا في علاج رائحة الفم الكريهة. للتخلص من الأسباب الفسيولوجية للرائحة الكريهة، يجب تنظيف الأسنان مرتين يوميًا لمدة لا تقل عن 3 دقائق، وعدم نسيان تنظيف اللسان من الرواسب. يجب استخدام خيط الأسنان وغسول الفم المنعش للعناية بالفم. يمكن استخدام العلكة الخالية من السكر لإنعاش النفس بسرعة.

يُنصح بتقليل تناول الثوم والبصل، وتقليل كمية الأطباق اللحمية الحارة، والنبيذ الأحمر. من الأفضل تقليل استهلاك القهوة اليومية إلى 1-2 كوب. تشمل الأطعمة المتاحة لإنعاش النفس التفاح والجزر والخضروات الورقية الخضراء. يُوصى أيضًا بالإقلاع عن التدخين، حيث يصعب التخلص من رائحة الدخان بطرق التنظيف التقليدية.

العلاج المحافظ
إذا كانت رائحة الفم الكريهة ناتجة عن جفاف الفم بسبب الأدوية، فيجب تقليل الجرعة أو التوقف عن استخدام الدواء. لا توجد أدوية معينة لإزالة الرائحة الكريهة من الفم، لذا يركز العلاج على القضاء على السبب. غالبًا ما يحتاج المريض إلى رعاية متخصصة من طبيب الأسنان، وبعد تنظيف الفم، تختفي رائحة الفم الكريهة.

في حالة الأمراض الهضمية، يتم تناول العلاج المسبب وأدوية الإنزيمات. تساعد المعالجة الإنزيمية التعويضية على تحسين عملية الهضم، والقضاء على ركود وتخمر الطعام، مما يجعل التنفس منتعشًا. في حالة أمراض الأنف والأذن والحنجرة، يتم اختيار العلاج المسبب والوقائي. أما الحالات الطارئة، فيتم التعامل معها في وحدات العناية المركزة.

يهدف علاج خوف الرائحة (الهاليتوفوبيا) إلى تحسين الحالة النفسية والعاطفية للمريض. يُوصى بجلسات العلاج النفسي، ويُستخدم الأدوية المهدئة الخفيفة والمهدئات. يتم تقديم نصائح عامة للأشخاص الذين يعانون من رهاب الرائحة مثل العناية الجيدة بالفم والأسنان، ومراقبة النظام الغذائي، وتقليل استهلاك الكحول.

العلاج الجراحي
يتم التدخل الجراحي في الحالات المتقدمة من أمراض الجهاز الهضمي أو الأورام. وفقًا لطبيعة المرض، يمكن إجراء استئصال للتشكيل المرضي أو استئصال جزئي للعضو. في حالة التهاب المرارة الحصوي، يتم استئصال المرارة. أما في حالات توسع القصبات والعمليات التدميرية في النسيج الرئوي، يُوصى باستئصال الفص الرئوي.

المراجع:
  1. أمراض الجهاز الهضمي: الدليل الوطني / إيفاشكين في.تي. — 2018.
  2. طب الأسنان العلاجي: المبادئ التوجيهية الوطنية / دميتريفا إل.أ. ماكسيموفسكي يو.إم. — 2009.
  3. التشخيص التفريقي للأمراض الباطنية / ر. هيغلين – 2015.