
تعريف المرض وأسبابه
مرض منيير، وهو مرض غير التهابي في الأذن الداخلية يترافق مع اضطرابات في الجهاز الدهليزي واضطرابات في وظيفة الجهاز الصوتي والسمعي حتى الصمم الكامل واللاقابل للعكس.
بخصوص المرض، فإن الآلية الباثوجينية لتطور المرض لم تكتشف بشكل كامل حتى الآن. وفقًا للنظرية الكلاسيكية، يكمن في أساس مرض منيير تراكم كمية زائدة من السائل اللمفاوي (اللمف الباطن) في المتاهة الغشائية للأذن الوسطى. يتسبب هذا العملية في زيادة إنتاجها الزائد أو قلة الامتصاص (الشفط العكسي). يرتفع الضغط داخل المتاهة بشكل كبير، مما يؤثر سلبًا على حالة غشاء رايسنر، ويسبب تمددها وتلفًا دوريًا.
يدخل الكثير من البوتاسيوم في الليمفاوية المحيطة، مما يثير التشبع والتحفيز الزائد للعصب الدهليزي. تحت تأثير الضغط العالي، تموت الخلايا العصبية في العصب اللولبي تدريجياً، مما يؤدي إلى فقدان السمع بنمط الحسي العصبي (مع ضرر في جهاز الاستماع). ومع ذلك، هذه العوامل المحددة ليست الوحيدة، حيث تظهر تراكم اللمف الباطن في الأذن الداخلية أثناء التشريح حتى في الأفراد الذين لم يعانوا من مرض منيير.
مرض منيير يظهر بأشكال متنوعة تبعاً للأعراض الرئيسية:
- الشكل السمعي: يظهر بانخراط في السمع.
- الشكل الدهليزي: يكون الدوخة هو العرض الأولي.
- الشكل الكلاسيكي: تجتمع أعراض اضطرابات السمع مع الدوخة.
تتعتبر فترات تفاعل أعراض مرض منيير بأنها فترات تفاقم. عند تحسن حالة المريض وعدم حدوث نوبات، تشير ذلك إلى فترة تسمى “التناقص” في المرض.
شدة تطور المرض تعتمد على مدى استمرارية وتكرار النوبات:
- الشكل الخفيف: يظهر فيه هجمات متكررة قصيرة، ويتميز فترة التناقص بتعافي كامل للقدرة على العمل وتستمر لعدة أشهر أو سنوات.
- الشكل المتوسط: يتميز بتكرار هجمات شديدة لمدة 5-6 ساعات، وبعد التفاقم يفقد المريض القدرة على العمل لعدة أيام.
- الشكل الشديد: النوبات تتكرر من مرة في اليوم إلى مرة في الأسبوع، حيث يفقد المريض تمامًا القدرة على العمل.

إذا لاحظت أعراض مشابهة، استشر طبيبك. لا تداوي نفسك بنفسك - فهذا يشكل خطراً على صحتك!
مرض مينيير – الأعراض
الأعراض الرئيسية لمرض منيير هي الدوخة النظامية، وتتميز بنوبات دورية تستمر من عدة دقائق إلى عدة أيام، غالباً ما تكون بين 2 و 8 ساعات. يشعر المريض خلال النوبة بحركة أو دوران للأشياء المحيطة، أو بالسقوط أو دوران الجسم نفسه. تكون الأعراض بشدة حتى أن الشخص لا يستطيع الحفاظ على وضعية جسم رأسية ويحاول الاستلقاء، وعند محاولة تغيير الوضع يمكن حدوث غثيان وقيء.
النوبات يمكن أن تصاحبها ردود فعل واعية مثل:
- زيادة معدل ضربات القلب (تسارع)
- التعرق
- فقدان الون الطبيعي في البشرة
- برودة في الأطراف
- ضيق في التنفس
تُحفز النوبات بفعل تحمل الجسم التعب، وتناول الكحول، وغيرها من العوامل. قبل النوبة، يشعر المرضى بتفاقم في صوت الأذن، وتحسن مؤقت في السمع، واضطرابات طفيفة في تنسيق الحركة، ويُطلق عليهم هؤلاء الظواهر الطبية “الأفترا”.
بعد النوبة، يعاني المرضى من ضعف عام، واضطراب في المشي، وثقل في الرأس، وصوت في الأذن، وانخفاض في السمع. مع تقدم مرض منيير، تتسارع وتتواصل الأعراض لفترات أطول. في حالة الحالات الشديدة، تظل الأعراض حاضرة طوال الفترة بين النوبات.
تزداد فقدان السمع تدريجيًا، حيث يلاحظ المريض في البداية تدهورًا في سماع الأصوات ذات التردد المنخفض والهمس. وتزداد تلك الاضطرابات مع كل نوبة جديدة. مع مرور الوقت، يتطور إلى فقدان سمع كامل.
باستناد إلى الأعراض وتكرارها، يحدد الأطباء 3 مراحل لتطور مرض منيير:
- المرحلة الابتدائية: تحدث النوبات عدة مرات في السنة، وتستمر حتى 3 ساعات. الأعراض واضحة، ولكن فقدان السمع يتطور ببطء وبشكل غير ملحوظ للمريض، وغالباً ما يكون من جهة واحدة.
- ذروة المرض: النوبات تحدث عدة مرات في الأسبوع، مصحوبة بانخراطات واعية. يشكو المرضى من الضوضاء المستمرة أو انسداد الأذن من جهة واحدة. يتراجع السمع مع كل هجوم جديد.
- المرحلة المتراجعة: تتلاشى النوبات النموذجية، وتظل الاضطرابات في المشي وعدم تنسيق الحركة باستمرار. قد تحدث سقوطات مفاجئة بسبب تنشيط مفاجئ لمستقبلات التوازن. يأخذ فقدان السمع طابعًا ثنائي الجوانب.
أسباب التطور للمرض
أسباب تطور مرض منيير غير معروفة حتى الآن، ولكن هناك عدة نظريات. تعتبر النظرية الوراثية واحدة من أهمها، حيث يتم تأكيدها من خلال حالات الإصابة في العائلات بمرض منيير وتفترض وراثة الإصابة بنمط ذاتي السيادة.
لا يستبعد بعض العلماء طبيعة الالتهاب المناعي الذاتي للمرض. يمكن أن تكون الإصابة بأمراض فيروسية أو ردود فعل تحسسية من المحفزات التي تسببها. تتعتبر بعض العوامل المحفزة، مثل اضطرابات الأوعية الدموية، وإصابات الأذن، واضطرابات هرمونية، واضطرابات في توازن الماء والكهرليت في الجسم، مثيرة لتقدم مرض منيير.
التشخيص
تشخيص مرض منيير يبدأ بمقابلة المريض وجمع الشكاوى. العلامات المميزة تشمل نوبات الدوخة النظامية التي تتزامن مع ضجيج في الأذن وفقدان السمع.
لتحديد درجة فقدان السمع، يُجرى فحص شامل للسمع تتضمن الإجراءات التالية:
- السمع: فحص السمعي بقياس السمع.
- فحص بالكَمرتون: دراسة الاهتزازات الصوتية باستخدام الشوكة الرنانة.
- قياس المقاومة الصوتية: أو اختبار المقاومة الصوتية الصوتية.
- الكوخليوغرافيا الكهربائية: قياس النشاط الكهربائي في الأذن الداخلية.
- الانبعاث السمعي: دراسة الإشارات الصوتية التي تطلقها الأذن.
بعد ذلك، يتم توجيه المريض لفحص جهاز التوازن، وتشخيص زيادة ضغط السائل اللمفي (اختبار الجلسرين)، وفحص الدماغ بالرنين المغناطيسي، ودراسة الأوعية الدموية الخارجية والداخلية في الجمجمة.
طرق العلاج
علاج مرض منيير شامل ويشمل تسكين النوبات بوسائل دوائية والوقاية من تكرار هذه الهجمات.
في حالة عدم كفاية العلاجات التقليدية، يتم إجراء علاج جراحي يستهدف تخفيف الضغط على المتاهة العظمية أو تدميرها أو استعادة التوازن في التفاعلات العصبية الوظيفية.
عند فقدان السمع الكبير، يُظهر تركيب أجهزة السمع.
العلاج التقليدي يشمل تصحيح النوبات بواسطة الأدوية، مثل مضادات الاضطرابات العصبية، ومثبطات مستقبلات H1، وموسعات الأوعية، ومضادات الهيستامين، والمدرات البولية. عادة ما يتم إجراء هذا العلاج على نحو سريري. في حالة التقيؤ المتكرر، يُوصى بالإدخال المستشفى لاستعادة مستويات الكهرليتات في الدم من خلال العلاج بالوريد.
العلاج على المدى الطويل يشمل توجيه العديد من الأدوية مثل تحسين الدورة الدموية، وموسعات الأوعية، وتقوية الأوعية، ومدرات البول، وحماية الأعصاب. يتم إجراء هذا العلاج المتكامل مع تغذية مناسبة ودعم نفسي للمريض. تظهر التمارين الرياضية المعتدلة وتمارين تدريب الجهاز التوازني لتحسين تنسيق الحركة. ومع ذلك، لا تتوقف وسائل العلاج التقليدية عن تطور فقدان السمع.
التدخل الجراحي
إذا لم تكن العلاجات التقليدية فعالة بعد مرور 6 أشهر وفي حالة الانخفاض السريع في السمع وجودة حياة المريض، يتم إجراء تدخل جراحي. يهدف الجراحة إلى استقرار عمل الجهاز الدهليزي، وإزالة الأعراض العصبية لمرض منيير، وتحسين السمع للمريض. يتم تحديد طريقة العلاج الجراحي بشكل فردي وفقًا لنتائج التقييم الشامل.
قد يتم إجراء العديد من العمليات على المريض، منها:
- تحلل الحقيبة اللمفاوية: هي الطريقة الجراحية الرئيسية التي تهدف إلى تقليل الضغط في هياكل الأذن الداخلية. يتم ذلك من خلال إزالة جزء من عظم الأذن الوسطى، ويتم تكملتها بتقنيات جراحية أخرى حسب الحاجة.
- قطع أعصاب الطبل: يشمل عزل الجذع العصبي الرئيسي عن العملية المرضية من خلال وضع توصيلة خاصة. تستخدم كإضافة لتحلل الحقيبة اللمفاوية ويوفر تحسنًا كبيرًا في شعور المريض على المدى الطويل.
- قطع عصب حبل الطبل: تجرى هذا الإجراء في حالات الحالات الشديدة فقط، حيث تتضمن قطعًا كاملاً للجهاز الدهليزي. يساعد على التخلص من الضجيج الدائم في الأذن والدوخة الصعبة.
- استئصال كتلة الحبل: يشمل قطع أطراف الأعصاب في شبكة الطبل بهدف تقليل حساسية الجهاز العصبي الودي لارتفاع الضغط في الحقيبة اللمفاوية.
- تفتيح طبلة الأذن: عملية للحفاظ على السمع، تتضمن تركيب مواسير لتصحيح مستوى الضغط بين أقسام الأذن الداخلية. تستخدم غالبًا بالإضافة إلى تقنيات الإفراج.
- قطع وتمزيق الوتر الليفي لعظمة الكريكيت: الهدف من هذا التدخل هو تقليل التوتر في العضلة التي تؤدي إلى اهتزاز طبلة الأذن. يؤدي ذلك إلى تخفيف حدة أعراض المرض.
الوقاية
نظرًا لأن الأسباب الدقيقة لمرض منيير لا تزال غير واضحة، فإن هناك تدابير لمنع هذا المرض لم تتطور بعد أيضًا. تفترض أن تقليل خطر تطوره تمكن أن يساعد في تبني نمط حياة صحي (مع الالتزام بجدول العمل والراحة، والحصول على نوم جيد ومتوازن، وتناول طعام صحي، وممارسة النشاط البدني بانتظام)، واتخاذ تدابير للوقاية من التوترات والعدوى الفيروسية، والبدء في علاج الحساسية في الوقت المناسب.
إذا كان أقرباؤك يعانون من مرض منيير، فإن الرعاية الجيدة لصحتك تعتبر إجراءً وقائيًا ثانويًا. في هذه الحالة، يمكن أن يكون التركيز الدقيق على صحتك واللجوء إلى طبيب الأذن والأنف والحنجرة عند أدنى اشتباه في تطور هذا المرض لديك، هو إجراء وقائي فعّال. يساعد هذا النهج في تشخيص المرض في المراحل الأولى من العملية المرضية وبدء علاج شامل فعّال على الفور لتجنب تقدم المرض.
المصادر:
- Alexeeva N.S. Dizziness. Otonological Aspects. Publisher: MEDpress-inform, 2019, 184 p. ill.
- Palchun V.T., Guseva A.L., Levina Yu.V. Meniere’s Disease: Epidemiology, Pathogenesis, Diagnosis, Treatment // Consilium Medicum. – 2016. – Vol. 18. – No. 3. – P. 107-116.
- Kryukov A.I., Fedorova O.K., Antonyan R.G. et al. Clinical Aspects of Meniere’s Disease. Moscow, 2006.